منع أهل الدراز من حرية التنقل مخالف للدستور
منصور الجمري
أعتقد أنّ المحكمة الصغرى الجنائية الثالثة خطتْ في الاتجاه الصحيح يوم الخميس (٢٢ سبتمبر/ أيلول ٢٠١٦)، عندما برأتْ مدرساً من تهمة التجمهر في الدراز. فالادعاء ضد المدرس أنّه «حاول التسلل إلى الدراز، ولمّا رآه الشرطي أسرع بالهرب لكنّ الشرطي تمكن من القبض عليه، حيث أقرّ أمام الشرطة أنّه لم يشارك في هذا اليوم بأيِّ تجمهر وأنّه هرب نتيجة الخوف، ولكنّه أقرّ بمشاركته في تجمهر في تاريخ سابق، وتمّت إحالته إلى النيابة العامة التي أحالته إلى المحكمة، بعد أن أسندت إليه أنّه اشترك وآخرين مجهولين في تجمهر مؤلف من أكثر من خمسة أشخاص الغرض منه الإخلال بالأمن».
المحكمة قضتْ ببراءة المواطن وبطلان القبض عليه، وأشارت المحكمة إلى أنّه «لا يجوز اتخاذ إجراءات مادية ماسة بشخصه إذ إنّ حرية التنقل مكفولة بموجب القانون والدستور، وخصوصاً أنّه لم توجد جريمة متلبس بها، وقد خلتْ الأوراق من إذن من السلطة المختصة بضبط المتهم، وكان إقرار المتهم بمحضر الشرطة بواقعة سابقة لاحقاً على تاريخ ضبطه».
هذا الحكم يتسق مع الدستور ومع المواثيق الدولية... فبعد أنْ عانت البشرية من حربين عالميتين توصلت إلى قناعة بأنّ من أهم الأسباب لاندلاع الحروب والفتن والدمار هو تجاوز الحقوق الطبيعية (الأساسية) للناس، وبالتالي صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام ١٩٤٨ لتأكيد ذلك، ولكي تتعهد كلُّ دولة عضو في الأمم المتحدة بحماية هذه الحقوق وعدم تجاوزها.
الفكر الإنساني الذي ساد البشرية يقول إنّه كما أنّ للطبيعة قوانين ثابتة، كشروق الشمس من الشرق وغروبها من الغرب، وقانون الجاذبية، فإنّ المجتمع أيضاً يخضع للقانون الطبيعي، والذي على أساسه تم التعرف على الحقوق الطبيعية التي تتولد مع الإنسان ولا يمكن المساس بها. يمكن للمعماري أنْ يصمم مبنىً متغافلاً قانون الجاذبية، ولكنْ جميعنا يعلم ما سيؤول إليه مصير ذلك المبنى.
والأمر كذلك بالنسبة للفرد في أيِّ مجتمع، فلكلِّ فرد حقوقه الطبيعية، وأهمُّها الحق في الحياة وعدم المساس بكرامته، والحق في مساواته مع الآخرين والحق في الحريات الأساسية. والحريات تتوزع على حرية التعبير وحرية الضمير والمعتقد وحرية التجمع السلمي وحرية التنقل داخل البلد وخارجه، وغيرها من الحريات الأساسية. وقد جاءت الدساتير الحديثة لتؤكد التزامها بذلك، ولتتعهد بعدم سن أيِّ قانون يمس جوهر تلك الحقوق.
وعليه، فإنّ المادة (31) من دستور مملكة البحرين الصادر في 2002 تنص على أنْ «لا يكون تنظيم الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون، أو بناءً عليه. ولا يجوز أنْ ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق أو الحرية».
وكما أشار المحامي قاسم الفردان - الذي دافع عن المدرس في القضية المشار إليها أعلاه - فإنّ «حق التنقل والإقامة من الحقوق الشخصية للإنسان لا يجوز تقييده عليه إلا وفق أحكام القانون ابتداءً وتحت رقابة القضاء انتهاءً، وقد أكدت المحكمة الدستورية البحرينية في حكم لها أنّ دستور مملكة البحرين قد حرص - في سبيل حماية الحريات العامة - على كفالة الحرية الشخصية فأكدت المادة (19/أ) من الدستور أنّ «الحرية الشخصية مكفولة وفقاً للقانون»، ولم يكتفِ في تقرير هذه الحماية الدستورية بإيراد ذلك في عبارات عامة، وإنّما أتى بقواعد أساسية تقرر ضمانات عديدة لحماية الحرية الشخصية، ضمنها المادة (19) من الدستور، فبعد أنْ قرر في الفقرة (أ) من هذه المادة كفالة الحرية الشخصية حظر في الفقرة (ب) القبض على إنسان أو توقيفه، أو حبسه، أو تفتيشه، أو تحديد إقامته، أو تقييد حريته في الإقامة، أو في التنقل، إلا وفق أحكام القانون، وبرقابة من القضاء».
وكما أوضح معهد البحرين للتنمية السياسية في مقال له حول المقومات الأساسية للمجتمع وحقوق وحريات الأفراد والواجبات العامة «أمّا فيما يتعلق بحرية التنقل فقد أشار المشرع إلى عدم جواز تحديد أو تقييد إقامة أي شخص أو فرض قيود على تنقله إلا وفقاً للقانون وتحت إشراف ورقابة القضاء».
ومن هذا المنطلق، فإنّ منع المواطنين الساكنين في الدراز، ومنذ أكثر من ثلاثة أشهر، من دخول منطقتهم بحرية، ومنعهم من استقبال مواطنين آخرين لا يسكنون في الدراز، هو إجراء مخالف للحقوق الطبيعية الأساسية المنصوص عليها في الدستور وفي المواثيق الدولية.
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 5131 - السبت 24 سبتمبر 2016م