العمل الخيري في البحرين يُخشى أن يُصاب بالإحباط!
سلمان سالم
من المعروف أن العمل الخيري في البحرين قديم جداً، قبل تكوين الصناديق والجمعيات الخيرية، فجل أهل البلد يحبون المساهمة في تنمية الأعمال الخيرية، ويقدمون الدعم المباشرة وغيرالمباشر لكل عمل فيه خير للناس، فوجود أكثر من 100 مؤسسة خيرية في مدن وقرى البلاد، لهو دليل واضح على قوة ارتباط البحرينيين بالأعمال الخيّرة، فهذا الحب غير المحدود للخير لم يكن جديداً على المجتمع البحريني، فهو قديم كقدم الإنسان في هذا البلد الطيب، فأبناء اليوم قد توارثوه من الآباء والأجداد، ولا أحد ينكر وفي المقدمة وزارة العمل والتنمية الاجتماعية أهمية هذه المؤسسات الخيرية في تخفيف الكثير من الأعباء على المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، فلولا وجودها في المدن والقرى لكان لزاماً على وزارة العمل والتنمية الاجتماعية قانونياً وإنسانياً، القيام بسد احتياجات جميع الأسر البحرينية الفقيرة، التي في الوقت الحاضر تقوم الجمعيات الخيرية بتقديم العون والمساعدة العينية والمادية لها، بصورة شهرية وموسمية، في مجالات متنوعة، خدمية وصحية وتعليمية، التي تكلفها مئات الألوف من الدنانير سنوياً.
فالمحسنون في البحرين لهم الدور الأكبر في استمرار عطاءات هذه الجمعيات الخيرية البحرينية، لم تكن في يوم من الأيام تتصور الجمعيات أنها لا تستطيع أن تقوم بدورها الخيري تجاه آلاف الأسر البحرينية الفقيرة بالمستوى المطلوب، بسبب الإجراءات والقرارات الرسمية، كانت دائماً تعتقد أنها في مقدمة المؤسسات الأهلية التي ستتلقى الدعم والمساعدة من مختلف الجهات الرسمية، لما للعمل الذي تقوم به من دور فعال في رفع الحرج عن آلاف الأسر الفقيرة في البلاد، الذي بدوره يرفع الحرج عن الجهات الرسمية المعنية برعاية هذه الأسر البحرينية المتعففة، وخاصة في الجانبين، المادي والعيني، فالصعوبات في جمع التبرعات وتحصيل الصدقات وغيرها من المصادر المالية، التي تعاني منه كثيراً في الوقت الحاضر، يجعلها لا تستطيع تلبية احتياجات كل الأسر المحتاجة بالقدر المطلوب.
في كل دول العالم تعتبر المؤسسات الأهلية الخيرية التطوعية، جهات لها الفضل الكبير في تخفيف الأعباء عن الجهات الرسمية، وتوفر الكثير من الأموال على دولها، فلهذا هي تحرص حرصاً شديداً على تقويتها وتطويرها وتنميتها بكل الطرق والوسائل المختلفة، وتذلل لها كل العقوبات والصعوبات التي قد تصادفها في عملها الخيري التطوعي، وتشرع لها القوانين التي تسهم في حمايتها والحفاظ عليها من كل التحديات، وتجعل جل الجهات الرسمية (التنفيذية والتشريعية) لها الدور الأبرز في استمرارها، وتفتح لها آفاق واسعة للاستثمار، لكي تتمكن أن تجعل لها دخلاً شهرياً ثابتاً، لو رجعنا إلى مؤسساتنا وجمعياتنا الخيرية والإنسانية وسألناها، ما هي الصعوبات والتحديات التي تواجهك في عملك الخيري؟ سنسمعها تسرد علينا الكثير منها، وأكثرها ينسبونها إلى الإجراءات الرسمية الخاصة بجمع التبرعات، التي فاقت كل توقعاتها، كانت تأمل في وقت من الأوقات أن توفر لها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية تسهيلات كبيرة تعينها على القيام بواجبها الاجتماعي والإنساني والخيري على أحسن وجه، التي بدونها يضعف العمل الخيري ويتراجع بنسبة كبيرة في البلاد، وكانت تنتظر دائماً من السلطة التشريعية المبادرة بإصدار قانون خاص بالعمل الخيري والإنساني، يدعم الجهة المعنية برعاية العمل الخيري والإنساني والإجتماعي في البلاد، وتوفير مقار مناسبة لها في المناطق التي تقدم فيها خدماتها التطوعية أولاً، ودعم موظفيها التنفيذيين مادياً ومعنوياً ثانياً، وتذليل الإجراءات الرسمية الخاصة بالجوانب المالية ثالثاً، ومساعدتها في حل مشكلات الأسر الفقيرة في النواحي الصحية والتعليمية والتدريبية وغيرها من الجوانب التي تهم هذه الفئة رابعاً، وتشجيع العاملين المتطوعين في العمل الخيري بشتى الطرق والوسائل خامساً، وإشراكها في وضع القانون الخاص بالأعمال الخيرية سادساً.
في كل المجتمعات الإنسانية يعطى للعمل الأهلي التطوعي ولمختلف مؤسسات المجتمع المدني أهمية كبرى، لأنها تعلم أن وجودها من الضروريات الملحة في كل مجتمع إنساني، لكونها تقوم بأعمال مهمة جداً في المجتمع، من الناحية الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية والتوعوية والتعليمية والصحية والخدمية، التي من خلالها تحمي المجتمع من الإنحرافات السلوكية والأخلاقية وتساعد على توفير الأمن المجتمعي، وترفع الكثير من الأعباء المالية عن كاهل الكثير من الجهات الرسمية، وتعلم أن أية عرقلة مقصودة أو غير مقصودة للعمل التطوعي، رسمية كانت أم أهلية، لن تكون في صالح الأسر الفقيرة أولاً، ولن تحقق طموحات الوطن في هذا المجال الإنساني بالقدر المطلوب ثانياً، فالسنوات الـ 15 الأخيرة تشهد بكل وضوح أن هذه المؤسسات الخيرية والإنسانية لها آثار إيجابية على أوضاع ونفسيات ومعنويات الأسر البحرينية الفقيرة، كيف لا وهي التي ترعاها معيشياً وصحياً وتعليمياً ونفسياً ومعنوياً طوال العام، وتلبي احتياجاتها الشهرية والموسمية بالقدر المتاح لديها.
فالكل في بلدنا يعلم أن أهل البحرين الكرام في كل المحافظات الأربع، هم أهل بذل وعطاء منذ أقدم العصور والأزمان، فأياديهم البيضاء السخية ممدودة دائماً، لكل محتاج في هذا البلد، ولا أحد يستطيع أن ينكر هذه الصفات الحميدة التي يتحلى بها المواطن البحريني، فقلوبهم الحنونة والعطوفة ونفسياتهم العالية وشعورهم المرهف ووعيهم بالآثار الإيجابية الدنيوية والأخروية، وما تتركه تبرعاتهم الخيرية على المجتمع بصورة عامة وعلى الأسر البحرينية المتعففة بصورة خاصة، يجعلهم يزيدون من دعمهم لكل الأعمال الخيرية والإنسانية، لأنهم يؤمنون أن فاعل الخير خير منه، وأنه أي الخير بكل أنواعه وأقسامه، هو السبيل الأفضل لنيلهم الثواب الجزيل في يوم الفزع الأكبر، ويؤمنون أنه مرضي عند الله جل جلاله، وعند رسوله المصطفى الأمجد محمد بن عبدالله (ص)، ويؤمنون أنه سيشفع لهم، ولن ينساهم أو يتغافل عنهم في ذلك اليوم العصيب، اليوم الذي تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، واليوم الذي يكون فيه الناس سكارى وما هم بسكارى، قال تعالى (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) سورة الحج: آية (2)، فهم بفعلهم الخيّر لا يريدون إلا أن يكونوا من الخيّرين في الدنيا والآخرة، ويكون مصيرهم الجنة بإذنه تعالى، ويريدون أن يكونوا مع الذين قال عنهم الله تعالى في محكم كتابه المجيد (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) سورة الإنسان: أية (9).
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 5306 - السبت 18 مارس 2017م