سياسة التطفيش والتمييز
قاسم حسين
Kassim.Hussain@alwasatnews.com
أن تصل مناقشات موضوعي التمييز والتطفيش إلى برامج الإذاعة، فهذا مؤشرٌ مهمٌ على أن الأمر واقعٌ لا يمكن نكرانه أو التستر عليه، وأن ضحاياه في المجتمع عدد كبير.
ففي أحد البرامج الدينية الأخيرة، تركّز الحوار حول هذين المحورين، وهو موضوعٌ يتم تصنيفه من الناحية الدينية في باب الظلم الاجتماعي، وهو ما يدعو الضيف إلى تذكير من يستغل منصبه في ممارسة التمييز والتطفيش وظلم عباد الله، بأن المنصب لا يدوم لك، والكرسي غير باقٍ إليك. فأنت إنسان عابر، ستغادر هذا الكرسي أو يغادرك. فاعمل على أن يذكرك الناس بحسن العمل والمعاملة، لا أن يذكروك بالسيئات، ويشيّعوك بعد ترك منصبك باللعنات.
الضيف، وهو رجل دين لبرنامجه شعبية بين جمهور الإذاعة بدليل ما يتلقاه من اتصالات، يذكر بأن سياسة التطفيش تتبعها بعض أطراف العمل للتخلّص من الموظّفين، فربما تقطع رزق غيرك دون حق، وتتسبّب في معاناتهم، بينما سياسات الإدارة الحديثة تركّز على كيفية استنهاض قدراتهم وتشجيعهم لتزيد من عطائهم وإنتاجيتهم. ويضيف بنبرةٍ شعبيةٍ ساخرة: «لا وتطلع لك نظريات أنه مب لازم الكفاءة في العمل وإنما أهم شيء الولاء»! ولا تدري من أين تطلع هذه النظريات ونحن في القرن الحادي والعشرين! ويردّ عليه المذيع: هذه الأشياء هي التي تدمّر الدول!
هذا ما يجري في بعض الشركات والأعمال والمؤسسات الحكومية، ولن نتكلّم عن توظيف الأقارب والأحباب، وترقية أحباب الأحباب والحبيبات! فكل ذلك يدخل في نطاق الفساد الإداري، ويتسبّب في وصول الانتهازيين والوصوليين والمطبّلين والمرتشين وعديمي الخبرة، على حساب أصحاب العلم ومصلحة الوطن؛ المتضرر الأكبر من وصول الوصوليين، وتطفل الطفيليين.
ما يجري على المستوى العام، من سياسات تطفيش وتمييز، يجري أيضاً داخل الأسر، فهناك عوائل تعادي زوجة الابن التي دخلت عليهم حديثاً، بحجة أنها «ليست من مستوانا»، أو «من غير ثوبنا»، وتعمل على عزلها وتطويقها بالممارسات «التطفيشية»، حتى تكره الحياة التي جمعتها بهم. وفي المقابل، قد تقوم الزوجة نفسها بهذا الدور العدواني، باستعداء الزوج على أمّه وأهله وذويه، وتعيّره بطاعة أمه الواجبة، وتبعده عن عائلته، وتسعى ليقطع أرحامه.
البرنامج ديني، وجمهوره من المتدينين غالباً، لذلك تأتي المداخلات في هذا السياق، ونستمع له بالصدفة أثناء الانتقال في الشوارع حيث نقضي ساعات طويلة وسط الزحام القاتل هذه الأيام. ومن هذه المداخلات ما طرحته إحدى المستمعات من نصائح للتغلب على هذين البليتين: التطفيش والتمييز، وملخصها ضرورة الاستعانة بالله على من يقومون بتطفيشك والتمييز ضدك، وأن تتيقّن أنه لو اجتمعت الإنس والجن على أن يضروك بشيء فلن يضروك إلا بما كتب الهد لك. واعلم أنك لست وحيداً، فهناك كثيرون من ضحايا هذه السياسات الظالمة، وأخيراً عليك أن تتصبر وتعتبره نوعاً من البلاء، كما تقول السيدة المتصلة.
مستمع آخر نصح من يمارس الظلم والتمييز والتطفيش، بقوله: راقب الله في عملك. ولا تقبل بظلم غيرك. وتذكّر أنه لا يحيق المكر السيء إلا بأهله. وأضاف: «الموضوع لا يتعلق بأفراد، وإنّما مرتبط بمجتمع»، وهو ما يؤكّد الطابع العام لهذه المشكلة التي تدّمر الأوطان.
حين يصل النقاش العام إلى أجهزة الإعلام الرسمية، فيتم انتقاد الظواهر السلبية، وتعرية الوصوليين من أعداء الكفاءات، ممن لا يحملون وعياً ولا فكراً ولا خبرةً، والمزايدة كذباً على الولاء، فاعلم بأن هناك وعياً متنامياً ورفضاً حقيقياً لكل ممارسات التمييز والتضليل.
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 5331 - الأربعاء 12 أبريل 2017م