فنون «الفبركة المدهشة» في الإعلام العربي
سعيد محمد
saeed.mohd@alwasatnews.com
هل بإمكان كل مواطن خليجي وعربي ومسلم أن يحصن عقله وينشئ حوله «حائط صد» يحميه من أن يكون ضحية إعلام ضخم يعبث بعقله... يخدعه... يمارس عليه طقوس الكذب والخداع والتضليل؟ لا يبدو ذلك هيناً، فالناس متفاوتون من ناحية القدرات والقابليات، إلا أنه بالإمكان تكثيف توعية الناس من خلال وسائل الإعلام المحترمة والأمينة، وكذلك من خلال المنبر الديني النظيف، لئلا يكونوا «تنابل» يضحك عليهم أباطرة الإعلام المدمر.
الإعلام العربي، سواء ما انتمى منه إلى خارطة الخليج العربي أم للوطن العربي أو الإسلامي، أصبح في حجمه الأكبر أخطر من الإعلام الغربي، وامتلك من خلال مجموعة من خبراء «الليالي الحمراء في غرف التآمر» أقوى فنون الفبركات المدهشة والتضليل العبقري، حتى جعل من بضع كتاب وإعلاميين وخطباء ومشايخ من ماركة «هات شيكاتي» صناع موت وظلام وأبواق طائفية، وبوأهم مراتب الدفاع عن الفساد والظلم وكل ذلك، وربما أغلبه، باسم الدين والقرآن والتوحيد... وهات يا دجل.
سؤال: «متى تتكشف خطوط المؤامرة؟»، يحدث ذلك عندما يتم طرد صحافي أو إعلامي أو مدير أو مسئول من هذه القناة الفضائية أو هذا الموقع أو تلك الصحيفة، فيبدأ في كشف الأسرار ونشر الفضائح التي تشمل: المقابلات المدفوعة لتأجيج الفتنة - اللقاءات التمثيلية الكاذبة - المقاطع التي يتم إعدادها بدقة لخداع الناس - حجم التزوير في الوثائق والمستندات - والكثير الكثير من الفبركات ومنها ما تسرب ورآه الآلاف من الناس: هل تذكرون اللقطة المسربة لـ (فاصل ونعود في إحدى القنوات الفضائية الشهيرة) لأحد أشهر المفكرين العرب - زعماً - وهو يتحدث مع المحاور(...) بيضت وجه القناة، قالها شكراً على فنه في رمي قنابل الكذب على الناس... ومن أولئك الناس آلاف الآلاف من من يصدقه.
في الحقيقة، جميل جداً ذلك الطرح العميق للباحثة وجدان فهد جاسم في كتابها الرائع (ثلاثية الوعي الجماهيري: الإعلام، الدين، السياسة)، والتي حللت فيها جوانب مذهلة من أساليب العبث الإعلامي وحذرت فيه من (تسليم عقولنا) لأجهزة الإعلام، حتى أن البعض أصبح يعادل ذلك الإعلام الفاجر بالكتب المنزلة، وصار يحلف بأنه مؤمن بتلك الحقيقة أو هذه المعلومة التي حصل عليها من القناة الفضائية (الفلانية) أو الصحيفة (العلانية)، وبعضهم حين تسأله: «كيف عرفت؟»، يجيبك بالقول... (مكتوب في الجريدة!)... (حطوه في قناة الـ...)... واحسرتاه.
وإليكم هذا المشهد: «استضافت إحدى القنوات الفضائية شخصين من ذوي اللحى: أحدهما سني والآخر شيعي، واشتد الحوار... وحمى الوطيس ثم اشتعل الشجار بالشتائم والتكفير والتنصيب والترفيض ثم بالتشابك... والمحاور المغوار يحاول تهدئة الوضع ويعلم الاثنين أصول وأدب الحوار... وليس عجيباً أن يكون آلاف المشاهدين، تفاعلوا مع ذلك الهوس الطائفي وتأثروا... لتنكشف الخدعة: المشهد من أساسه تمثيل في تمثيل ومدفوع الأجر للاثنين، والهدف معروف لدى كل القراء الكرام كما أعتقد، ولأن القناة «فاشلة» وأمثالها كثر، فإن أيسر طريق للشهرة، هو افتعال الموبقات المؤججة... سريعة الاشتعال والانتشار.
العديد من أجهزة الإعلام العربية الإسلامية الفاشلة، أو قل كذلك الناجحة التي تعمل تحت أيدي «أقطاب التآمر»، أصبحت تستقطب ضعاف النفوس من مختلف الطبقات، ممن يلهثون وراء الفلوس، واستخدمت المزايا والعطايا والهبات، واستغلت خطباء الفتنة وإعلاميي «السد الدح امبو» من أجل ألا يستقر المجتمع الخليجي، العربي والإسلامي، وخصوصاً في حربه المذهبية البشعة، في ظل سكوت حكومات ووزارات إعلام وهيئات مسئولة... لماذا؟ لأن أي مسئول «يفتح فمه» سيلاقي ما يلاقي فليخرس أفضل له.
هناك غرف تم إنشاؤها كمختبرات مجهزة بأحدث الأجهزة والتقنيات لفبركة المقاطع والصور والمقالات لتشويه كل من يختلف مع أقطاب الفتنة: سياسياً أو مذهبياً أو فكرياً، ومن أجل ذلك، يشعلون أوار صدام هدام ولا مكان للأوطان والشعوب في رؤوسهم... لا مكان للاستقرار والسلام والسلم الاجتماعي... إذن ما الحل؟ هاهي حشود من الناس وقعت ضحايا الخداع والكذب؟
إن على اللجان الوزارية العربية والخليجية والإسلامية المسئولة عن الإعلام أن تخرج من توصيات «حبر وورق» في اجتماعاتها الدورية، وعليها أن تتحمل مسئوليتها الوطنية بكل صدق، لكي ترمي تلك الفضائيات وأجهزة الإعلام المؤججة في «المزابل»، ومن يعتقد بأن إشعال واستمرار الصدام بين السنة والشيعة وبين الأديان المختلفة وبين موالاة ومعارضة وبين طرف وآخر هو من خيارات استقرار الحكم... فهو واهم... انتبهوا للمخاطر الجارفة يا جماعة الخير.
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 5334 - السبت 15 أبريل 2017م