ماذا لو قاد الولايات المتحدة رئيسٌ حكيم؟
قاسم حسين
Kassim.Hussain@alwasatnews.com
في آخر حروبه المفتوحة، منعت إدارة ترامب شبكة «سي إن إن»، ومؤسسات إعلامية كبرى مثل «نيويورك تايمز» و «لوس أنجيليس تايمز» من حضور مؤتمر صحافي في البيت الأبيض.
مقابل هذه الخطوة العدائية، امتنعت وكالة «أسوشيتدس برس» ومجلة «تايم» من الحضور، اعتراضاً على طريقة تعاطي إدارة ترامب مع الإعلام، فيما احتجت رابطة مراسلي البيت الأبيض على ذلك.
الإعلام في الولايات المتحدة يشارك في توجيه الأحداث وصناعة النجوم، وإيصال الرؤساء أو إسقاطهم. لذلك يبدو ما يجري هناك وكأنه حربٌ غير مسبوقة فيما هو معروف من تاريخ هذا البلد. فالرئيس الذي تحدّى الإعلام في حملته الانتخابية، مصرٌ على محاربته وتسفيهه، ومن الصعب التكهن بما يمكن أن تؤول إليه الأمور. إلا أن طبيعة الأشياء ترجّح أن ينتهي في غير صالح الرئيس، لأنه ببساطةٍ اختار فتح عدة جبهات حرب، للقتال في وقت واحد.
في العقود الماضية، كان الإعلام الأميركي، إذا ما استثنينا فضيحة ووترغيت، يقف في الغالب سنداً لسياسات الرئيس، وفي الحروب التي خاضتها أميركا وخصوصاً في منطقتنا العربية مباشرة أو غير مباشرة، كان الإعلام منحازاً لخيارات الرؤساء، بدءاً من تحرير الكويت إلى غزو العراق وأفغانستان، فضلاً عن أحداث ليبيا واليمن... والدعم الدائم لحروب «إسرائيل» على غزة ولبنان.
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت أغلب سياسات الرؤساء الأميركيين تحمل طابعاً عدائياً للشعوب، وهو ما انتهى بهم إلى التساؤل بعد تفجيرات نيويورك: لماذا يكرهوننا؟ والاستثناء شبه الوحيد كان باراك أوباما، الذي بشّر بالكثير من الوعود، لكن سياسته وإن نجحت في توفير أرواح جنوده، أسهمت في إشعال مزيدٍ من الحروب والفتن، وخصوصاً في منطقتنا العربية المنكوبة.
اليوم، يتابع العالم تصريحات وإجراءات الرئيس الأميركي الجديد بمزيدٍ من الدهشة والاستغراب، فهو لم يوفّر عدواً ولا صديقاً من التهديدات، منذ بدء حملته الانتخابية حتى الآن. وهو ما يحملنا على التساؤل: ماذا لو حكم الولايات المتحدة رجل حكيم؟
السياسات الأميركية كانت ومازالت تقوم على إعلاء المصالح الوطنية، وهو حق من حقوق أي دولة، إلا أنه في نقطةٍ معينةٍ، تصبح خطراً على الدول الأخرى، حين يتبنى الرئيس أفكاراً استعلائية، دون مراعاة مصلحةٍ أي طرف آخر. فأنت لا تقبل بالصين منافساً، وتتخلّى عن السياسة التي حكمت العلاقة المتوازنة معها منذ خمسين عاماً. وتريد أن تقيم سوراً مع المكسيك التي ترتبط بك منذ الأزل بحدود طولها 3 آلاف كيلومتر، وتفرض على جارتك دفع جميع تكاليفه! وتقيم منطقةً آمنةً في بلدٍ بعيدٍ يعيش حرباً أهلية، وتفرض على دول أخرى تمويلها من خزائنهم وصناديقهم السيادية.
الولايات المتحدة بلدٌ كبيرٌ وغني، بموارد طبيعية ضخمة، وأراضٍ شاسعة وإمكانات علمية وصناعية كبرى، والأهم والأغلى ما يتمتع به من كفاءات وعقول تحوّل التراب إلى ذهب وإنجازات وابتكارات.
الولايات المتحدة كانت تعتبر نفسها شركةً كبيرةً عابرةً للقارات، وكل رؤسائها كانوا يتصّرفون كرؤساء شركات ومديري مصارف تجارية. فكيف كان سيعيش العالم كله لو حكمها رجلٌ حكيمٌ، بعيداً عن لغة الغطرسة والقوة واستنزاف ثروات الشعوب كما كان يفعل الإنجليز في القرن التاسع عشر، وفرض الإرادة والتهديدات؟
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 5286 - الأحد 26 فبراير 2017م