محمية رأس سند... الحفاظ على ثروات الوطن الطبيعية
قاسم حسين
في الجولة الميدانية المشتركة، التي جمعتنا بـ «المجلس الأعلى للبيئة» و«جمعية البحرين للبيئة»، ونشرنا عنها تحقيقاً مصوّراً أمس (السبت)، خرجنا بتصوّر عام عن حاجة «رأس سند»، إلى توفير موازنة، واتخاذ إجراءات عاجلة وجادَّة، وتكاتف جميع الأطراف المعنية، الرسمية والشعبية، للحفاظ على بقاء هذه المحمية.
هذه البقعة الحيوية الجميلة، تشكّل جوهرة خليج توبلي، فهي تمتد عمقاً إلى حوالي كيلومتر واحد، بعرض 500 متر، وتتوزّع أشجار القرم على مدخلين يشكلان حرف (S)، مع قنوات داخلية صغيرة، كانت سالكةً فيما مضى، لكنها أصبحت مسدودةً الآن لعدم الاعتناء بها، ما يحمل خطر تحوّل بعض مناطق المحمية إلى مستنقعات. وقد شاهدنا على أطراف قرية سند ما تعانيه من تلوث وماء راكد تعلوه الطحالب، فضلاً عن إلقاء المخلفات في مجرى الماء، وهو ما يتطلب التزام الجميع، بالحفاظ على البيئة، سواءً الجهات الرسمية أو الأهلية. كما يوجب تشديد الرقابة على صهاريج مياه المجاري التي تلقي بمحتوياتها في مياه خليج توبلي، بعيداً عن أعين الرقيب.
هذه الجولة تم الترتيب لها بعد أسبوعين من مراجعة الأرصاد الجوية، للتأكد من صلاحية الإبحار داخل المحمية، بسبب انخفاض مستوى الماء. وقد وقع الاختيار على الساعة الثالثة بعد ظهر يوم سبت (قبل أسبوعين)، حيث بدأت الجولة بريّاً، ثم انتقلنا بسياراتنا إلى جزيرة النبيه صالح، لنستقل قارباً لأحد الصيادين إلى داخل المحمية، الذي لم يتغيّر كثيراً عمّا كان عليه في زيارتنا الأولى، لكنها تحتاج إلى عمل دؤوب لمعالجة التلوث الذي يحيط بأطرافها، وتنظيف قنواتها لضمان تدفق المياه وإعادة تأهيل القناة وتجديد حياتها، وخصوصاً تعميق المنطقة الجنوبية، لكي لا تتحوّل إلى مستنقعٍ آسن وبؤرة تجمعٍ للكلاب الضالة والقوارض والفئران والحشرات الضارة.
حين يتقدّم بك القارب، تستقبلك رائحة القرم الطيّبة، وأصوات الطيور والحمام و«الفلامنغو» (النحّام الوردي) المعروف محليّاً بـ «الفناتير». وبين فترةٍ وأخرى تشاهد بعض الطيور تنتقل من شجرةٍ إلى أخرى، وكلما توغلنا ازدادت كثافة الأشجار، وزاد ارتفاعها، حيث يبلغ بعضها قرابة أربعة أمتار، بينما تغوص جذورها في الماء مترين. كأنك في نموذجٍ لغابةٍ آسيويةٍ مصغّرة جدّاً، ولست في البحرين.
المجلس الأعلى للبيئة، ومن خلال عناصره النشطاء الذين شاركونا الجولة، كانوا يدركون حجم التحدي، ولديهم طموحٌ كبيرٌ لينجزوا شيئاً، لكن الموازنة تقف عائقاً أمامهم. وقد شرعوا في إقامة مشتل لزراعة نبات القرم، وإعادة استزراعه داخل المحمية وفي مناطق أخرى كدوحة عراد. وقد أجمع رأيهم على نقطتين: ضرورة توافر الموازنة، وتعاون الأطراف كافة، الرسمية والأهلية، لاستنقاذ هذه المحمية الطبيعية والإبقاء عليها على قيد الحياة، مع طموحٍٍ إلى أن تتحوّل إلى مصدر جذبٍ سياحي وتعليمي مستقبلاً.
في الاستطلاع السابق، كشفنا ما تتعرض له المحمية من إهمال، نتيجة إلقاء كميات كبيرة من النفايات ومخلفات البناء والأخشاب والأكياس والقناني البلاستيكية. وقد تبنى المجلس الأعلى للبيئة موضوع إزالتها فخاطب الجهات المختصة، فشرعت بإزالة الكثير من هذه المخلفات.
الخطوة الأولى هو تعيين حدود المنطقة كمحميةٍ وطنيةٍ لتسويرها، ووضعها تحت حماية القانون لمنع التعدّي على هذه الثروة الوطنية الطبيعية. ثم تأتي ضرورة التنسيق مع الوزارات الأخرى كالبلديات والزراعة والإسكان والداخلية، لتداخل مهماتها العملية والرقابية في هذا الخصوص.
المنطقة من أجمل المناطق الطبيعية المحمية رسميّاً في البحرين، وحين تزور الوفود البيئية البحرين، يحرص المجلس الأعلى للبيئة على اصطحابهم إليها، حيث يعبّرون عن اندهاشهم لوجود هذه المنطقة الجميلة المغمورة.
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 5048 - الأحد 03 يوليو 2016م