البعثات وأولياء الأمور
قاسم حسين
مئات الطلبة المتفوّقين، يدرسون حالياً في جامعات الداخل والخارج، على حساب عوائلهم، التي تضطر أحياناً للاستدانة، أو بيع بعض ممتلكاتها، لتغطية تكاليف الدراسة. في الوقت الذي تذهب بعض البعثات لأصحاب معدلات أقل بكثير، لا تتجاوز السبعين في المئة. وفي هذه الحالة نحن نظلم المتفوقين بحرمانهم من استحقاقاتهم، ونظلم مرةً أخرى غير المتفوقين بتحميلهم أعباء دراسات لم يكونوا راغبين أو مستعدين لتكملتها، فيعود العديد منهم خالي الوفاض، وما يمثله ذلك من هدرٍ للمال العام، والخاسر في الحالتين هو الوطن.
الكثير من الانتقادات وُجّهت لسياسات التوظيف والابتعاث والترقيات، خلال الخمسة عشر عاماً الماضية، والتي ازدادت وتعمّقت خلال الخمس سنوات الأخيرة. ندوات حقوقية وملتقيات طلابية، وبيانات سياسية، ومقالات صحافية، كلها كانت تنتقد هذا الخلل الكبير وتدعو لتصحيحه دون جدوى، وخصوصاً لجهة اعتماد معايير غير علمية، وغير موضوعية، وغير عادلة، وعلى رأسها ابتداع نظام المقابلة، الذي يحدّد فيه شخصان أو ثلاثة، مصير طالب متفوق للأبد، بعد 15 دقيقة من اللقاء عبر توجيه أسئلة غير ذات صلة.
حين ندعو إلى اعتماد المعايير السليمة في تقديم المنح والبعثات للمتفوقين، فإننا ندعو إلى تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص، فلا تذهب فرصةٌ دراسيةٌ لمن لا يستحقها بالعدل، ولا يشعر مستحقٌ بالظلم وهضم الحقّ لحرمانه منها.
في السابق، كانت أسماء الخريجين تنشر في الصحف بكل شفافية، مع النسب المئوية، ولم يكن هناك من يشكو من حرمان متعمد أو استهداف، وهي فترةٌ امتدت ثلاثين عاماً، منذ مطلع الاستقلال العام 1971، حتى العام 2000. كانت هناك معايير ثابتة معروفة للجميع، وكان لكل تخصّص معدل عام ونسبة معروفة من الدرجات. ولم يكن الطالب صاحب مجموع الستين مثلاً، يقدّم طلباً لدراسة الطب أو الهندسة مثلاً، لمعرفته أن درجاته لا تؤهله للحصول على رغبته تلك. كانت هناك معايير واضحة، ثابتة، ومعروفة للجميع، ولم تكن هناك أية شكاوى من التمييز.
كثيرٌ من العوائل الراغبة يومها بتدريس أبنائها غير الحاصلين على نسبة تؤهلهم للحصول على بعثة، كانت تتكفل بابتعاثهم للدراسة في الخارج، وهي راضية مطمئنة، مهما كانت التكاليف، والسبب أنها لم تتعرّض لظلم، وأن مجموع ابنها لا يؤهّله للحصول على بعثة حكومية. وهناك آلافٌ من هؤلاء ممن عوّضوا ضعفهم بالمدرسة والتحقوا بالجامعات الخارجية، وعادوا للوطن يحملون شهادات النجاح الجامعية، ويخدمون اليوم في مختلف قطاعات الإنتاج في القطاعين العام والخاص.
كانت هناك معايير عادلة ومعروفة للجميع، وسياسة واضحة وُضعت منذ مطلع السبعينات من القرن العشرين، والمصلحة الوطنية تدعو إلى العودة إلى السياسات السليمة والصحيحة، التي تنتهج مبادئ العدل والمساواة وتكافؤ الفرص.
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 5029 - الثلثاء 14 يونيو 2016م